مع انتهاء الحرب الباردة، استخدمتْ الولايات المتحدة قدراتها العسكرية والسياسيّة والاقتصادية والإعلامية في الدول التي تعاني من الحروب الأهلية لتنفيذ عمليات مختلفة، والتي أطلق عليها بعد عدة سنوات اسم "بناء الأمة". تم تنفيذ هذه العمليات في دول مثل ألمانيا واليابان والعراق من خلال "الاحتلال"، وفي دول مثل الصومال وهايتي والبوسنة من خلال "حفظ السلام"، ومؤخراً من خلال "استقرار الاقتصاد وإعادة الإعمار". يتم تنفيذ النهج الأخير للولايات المتحدة في بناء الأمة بشكل أكبر من قبل مؤسسات التنمية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وشركة تحدي الألفية.
اليوم، ما يجذب الانتباه في البلدان التي تم فيها تنفيذ عملية بناء الأمة، هو الاعتماد السياسي والاقتصادي على الولايات المتحدة. تقوم الولايات المتحدة، بناءً على عملية بناء الأمة من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، بتشكيل مجتمعها المستهدف وتعزيز القوى التي ترغب فيها في هذه الدول، لتجعل من الدولة المستهدفة تروساً في محرك التنمية وجزءاً من لغز هيمنتها على العالم. يتم تنفيذ الديمقراطية الليبرالية وفقاً للرؤية الأمريكية في الدولة المستهدفة من بين جميع النسخ خلال بناء الأمة. كما يتم رسم تطوير الاقتصاد في الدولة المستهدفة مع الأخذ في الاعتبار دوره في تأمين المصالح الوطنية للولايات المتحدة. لقد تحولت معظم الدول التي تم فيها تنفيذ بناء الأمة الغربية إلى دول ذات منتج واحد وغالباً ما تكون مصدرة للمواد الخام ومستورة للسلع من الولايات المتحدة. لذلك، ما يتم السعي إليه خلال عملية بناء الأمة هو الاستعمار الجديد من قبل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، حيث أن العولمة تعني فقط توسيع سوق منتجات الولايات المتحدة للدول النامية. ما يتم طرحه في تثبيت وتطوير الاقتصاد تحت عناوين مثل الحصول على قروض دولية، تحرير الأسعار، تطوير القطاع الخاص، والاندماج في الأسواق العالمية هو عمليات التبعية للدول المستهدفة وازدهار المصانع الأمريكية . في عالم أحادي القطب حيث من المفترض أنْ تُهيمن الولايات المتحدة على العالم، فإنّ تطوير الدول الأخرى يعني تقويتها، وهو ما سيكون تهديداً للولايات المتحدة على المدى الطويل. لذا، فإنّ أيّ برنامج يُطرح تحت عناوين مثل تطوير البنية التحتية والتجارة والتوظيف في مستوى أعمق هو خطة لتطوير اقتصادي يتجاوز الولايات المتحدة عدة مرات.
إنّ الغرض من دراسة عملية بناء الأمة لجمهورية الإسلامية هو أولاً التعرف على خريطة الولايات المتحدة لتوسيع نفوذها في الدول الأخرى. بناء الأمة، هو برنامج تم تنفيذه في دول مختلفة، وقد مر بمراحل من النظرية إلى التطبيق والتنفيذ، ومن خلال دراسة هذه العملية يمكن التعرف على القضايا المتوقعة وغير المتوقعة. في إطار بناء الأمة، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها الاستراتيجي في المجال الاقتصادي من خلال تثبيت سعر الصرف وربطه بالدولار الأمريكي عبر القروض بالدولار وإغراق الدولة المستهدفة بالديون. هذا الإجراء يجعل الاستقرار الاقتصادي للدولة المستهدفة بالكامل معتمداً على الولايات المتحدة. في حال حدوث أي خلل بسيط في العلاقات الثنائية بين الدولة المستهدفة والولايات المتحدة، فإنّ تهديدات اقتصادية كبيرة ستواجه تلك الدولة. على سبيل المثال، في العراق، بعد 15 عاماً، لا يزال البنك المركزي، وهو الهيئة النقدية الرئيسية في البلاد، تحت نفوذ ورقابة الولايات المتحدة، كما يتم الاحتفاظ بعائدات النفط في البنك المركزي الأمريكي. بناءً على ذلك، فإنّ بناء الأمة الغربي، بقناعة جميلة، يسعى إلى توسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة.